ما معنى دودهم لا يموت ونارهم لا تطفأ؟
نجد هذا التعبير في اشعياء ٦٦: ٢٤ “ويَخرُجونَ ويَرَوْنَ جُثَثَ النّاسِ الّذينَ عَصَوْا علَيَّ، لأنَّ دودَهُمْ لا يَموتُ ونارَهُمْ لا تُطفأُ، ويكونونَ رَذالَةً لكُلِّ ذي جَسَدٍ”. إقرأ كل الاصحاح ستجد أنه يتحدث عن الأرض الجديدة والسماوات الجديدة. وعندما يقول سماوات لا يقصد بالتأكيد عرشا جديدا للرب. فلا يوجد أي سبب في الكتاب المقدس يجعلنا نعتقد بأن الرب سيدمر عرشه والسماء التي هو فيها ويقيمها من جديد. ولكن الغلاف الجوي لهذه الارض وما يحيطه من فضاء يُطلق عليه (سماء) ايضا في الكتاب المقدس.
فالسؤال الآن هل يخرج المؤمنون إذا من المدينة المقدسة أو بيوتهم ليروا جثثا يأكلها الدود؟ وربما جثث اهلهم واصدقاءهم الذين اختاروا أن يتبعوا ابليس إلى الابد؟ هل هذا هو المنظر الممتع والرائحة الزكية التي يقصدها الرب ويكتب عنها الرسول بولس “ما لَمْ ترَ عَينٌ، ولَمْ تسمَعْ أُذُنٌ، ولَمْ يَخطُرْ علَى بالِ إنسانٍ: ما أعَدَّهُ اللهُ للّذينَ يُحِبّونَهُ”؟ بالتأكيد لا. حاشا أن يكون الرب إله سادي بهذا الشكل يجعل المؤمنين يستمتعون بمنظر جثث اولادهم واباءهم مثلا التي يأكلها الدود إلى الأبد ويقول بأن هذه هي المناظر الممتعة التي لا يمكن أن تخطر على بال.
لاحظ هنا التعبيرفي اشعياء جيّدا! “نارهم”! لماذا نارهم؟ ولا يقول هنا النار المتقدة تحت الارض (كما يظن البعض) ولكن هنا النار تخص الاشرار وليس المكان!
لاحظ تعبير “تَمضيَ إلَى جَهَنَّمَ، إلَى النّارِ الّتي لا تُطفأُ” (مرقس ٩: ٤٣). راجع كلمة (جهنم) في أي قاموس كتاب مقدس ستجده يشير إلى وادي ابن هنوم خارج المدينة في أيام الرب يسوع على الارض وهو كان مكان محرقة زبالة المدينة حيث كل نجس كان يُلقى في تلك النار على كومة الزبالة. فالنار هناك كانت متقدة دائما لأنه كان دائما ما يُغذيها من مواد قابلة للاشتعال وكذلك الدود الذي يعمل على تحليل العناصر العضوية سيبقى هناك دود دائما ما دام هناك فضلات عضوية تُضاف باستمرار. ولكن هل وادي هنوم مشتعل الآن خارج اورشليم؟ كلا. لا يمكن إطفاء النار الآكلة إذا ولا ايقاف الدود عن عمله أو تخليص ما يُلقى في النار التي يعدّها الرب للدينونة كما هي الحال مع ما كان يُلقى في وادي هنوم المتقد الذي كان يعرفه اليهود جيدا ويفهمون التعبير هذا. فلا يمكن إنقاذ ما قد احترق وفنى هناك. وما لم تأكله نار المحرقة، أكلته الديدان. كلمة دود هنا باليونانية هي skolex وتعني اليرقان أو الديدان.
لم يُطفئ الرب نار سدوم وعمورة حتى أصبحتا رمادا ولم يوجد لهما مخلّص لأن زمن نعمتهم انقضى وحلّ وقت الدينونة. كذلك لن يُطفئ الرب الذي هو نار آكلة احتراق الاشرار وابليس حتى يفنوا ويصبحوا رمادا. لايوجد مخلص يخلصهم من النار الآكلة.
في أي سياق يكرر الرب ما دوّنه اشعياء؟
إقرأ مرقس ٩: ٤٢ – ٥٠
“ومَنْ أعثَرَ أحَدَ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي، فخَيرٌ لهُ لو طوِّقَ عُنُقُهُ بحَجَرِ رَحًى وطُرِحَ في البحرِ” مرقس ٩: ٤٢. هل يحث الرب هنا على الانتحار؟ وهو الذي أقام بشرا من الأموات وأعطى وصية “لا تقتل”؟
“وإنْ أعثَرَتكَ عَينُكَ فاقلَعها. خَيرٌ لكَ أنْ تدخُلَ ملكوتَ اللهِ أعوَرَ مِنْ أنْ تكونَ لكَ عَينانِ وتُطرَحَ في جَهَنَّمِ النّارِ. حَيثُ دودُهُمْ لا يَموتُ والنّارُ لا تُطفأُ.” مرقس ٩: ٤٧ -٤٨. هل يقصد الرب إذا أن يقلع انسان عينه ويكون أعور وهو الذي شفى العمي؟ هل يقصد بأن يقطع انسان يده وهو الذي شفى الايدي والارجل؟ بالتأكيد لا! يستخدم الرب هذا القول ايضا في متى الاصحاح ٥ كتعبير مجازي ليشرح النتائج الأبدية لأتباع ابليس. فأن تقلع عينك لايعني قلعها فعليا ولكن قطعها عن الشر كليا فإن لم تفعل ذلك فالنتيجة بأن جسدك كله سينتهي في المكان الذي تنتهي فيه العين الشريرة أو اليد التي تفعل الشر ولا خلاص من ذلك. وهذا ما فهمه أيوب جيدا حين قال: “عَهدًا قَطَعتُ لعَينَيَّ، فكيفَ أتَطَلَّعُ في عَذراءَ؟… إنْ حادَتْ خَطَواتي عن الطريقِ، وذَهَبَ قَلبي وراءَ عَينَيَّ، أو لَصِقَ عَيبٌ بكَفّي، أزرَعْ وغَيري يأكُلْ، وفُروعي تُستأصَلْ.” ايوب ٣١: ١و٧
واضح بأن الرب يسوع في هذا الاصحاح استخدم أمثلة عينية حيّة من الحياة اليومية في المدينة لتقريب الصورة لأذهان المستمعين. فإن لم نفهم بأنه من الأفضل أن ينتحر الانسان فعليا في البحر ، لماذا نفهم إذا بأن النار الأبدية والدود الأبدي هي مناظر وروائح سيستمتع بها الرب والمؤمنين في الارض الجديدة؟
لماذا اختار الرب يسوع وادي هنوم ليتكلم عن الفناء والدينونة؟
عندما تحدّث الرب يسوع هنا عن جهنم فهم الناس بأنه كان يشير إلى وادي هنوم ، محرقة نفايات اورشليم في عصره كصورة عينية لمحرقة نفايات الخطية في النهاية. ولكن السامعين كانوا على علم تام بالتاريخ الاسود لهذا الوادي. ففي هذا الوادي كان آباءهم عابدي الاوثان يوقدون فيه للوثن مولك ويجيزون اولادهم احياءا في النار “وبَنَوْا مُرتَفَعاتِ توفةَ الّتي في وادي ابنِ هِنّومَ ليُحرِقوا بَنيهِمْ وبَناتِهِمْ بالنّارِ”. ويقول الرب على لسان ارميا: “لذلكَ ها هي أيّامٌ تأتي، يقولُ الرَّبُّ، ولا يُسَمَّى بَعدُ توفةُ ولا وادي ابنِ هِنّومَ، بل وادي القَتلِ. ويَدفِنونَ في توفةَ حتَّى لا يكونَ مَوْضِعٌ. وَتَصِيرُ جُثَثُ هَذَا ٱلشَّعْبِ أُكْلًا لِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ ٱلْأَرْضِ، وَلَا مُزْعِجَ.“. ارميا ٧: ٣٢-٣٣
فهو الوادي الذي فيه احرقوا اولادهم احياء كتقدمة للوثن مولك في زمن الملوك الأشرار آحاز ومنسّى. وقد نجّس الملك المصلح يوشيا “توفة” التي كانت في هذا الوادي لكي لا يحرقوا اولادهم فيه فيما بعد كتقدمة (٢ ملوك ٢٣). ويجمع دارسي الكتاب المقدس بأن “توفة” تعني حديقة لسماع الموسيقى وكانت على الاغلب حديقة ملوكية خضراء في وادي هنوم. وقد دمّرها الملك يوشيا وجعلها مزبلة بعد عبادة الاوثان فيها بابشع الطرق.
ونكرر هنا بأن نار وادي هنوم بقيت مشتعلة طالما تم تزويدها بمواد قابلة للاشتعال ولكن نار وادي هنوم ليست مشتعلة اليوم! كذلك ستبقى نار الدينونة مشتعلة طالما كان هناك أثر للخطية إلى أن تتطهر الارض: “وَلَا تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ.” رؤيا ٢٢:٣ وبالتأكيد أن اللعنة حصلت بسبب الخطية فبزوال الخطية النهائي تزول اللعنة.
فاستخدام الرب يسوع للمثال العيني لوادي هنوم (المزبلة المحترقة) في عصره والمرتبطة بمكان عبادة الاوثان بأبشع الطرق ليس اختيارا عفويا. فهو يذكّر السامعين هنا بتاريخ آباءهم عابدي الاوثان ونبوة الرب بفنائهم في نفس الوادي الذي فيه أحرقوا اولادهم أحياء للوثن.
لفهم معنى “النار التي لا تُطفأ” والدود الذي لا يموت بشكل كامل علينا فهم معنى النار الابدية في الكتاب المقدس. تابع الآية: “فيَمضي هؤُلاءِ إلَى عَذابٍ أبديٍّ والأبرارُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ” متى ٢٥: ٤٦