كلمة “أبدي” في العهد الجديد مترجمة من الكلمة اليونانية (ايونيوس aionios) وهي كلمة تحمل معنى نسبي بالنسبة للموصوف. فعندما يستخدم الكتاب المقدس هذه الكلمة كصفة لله يعني بأنه أزلي، لا نهاية له لأنه يقول في تيموثاوس الاولى ٦: ١٦ ” الّذي وحدَهُ لهُ عَدَمُ الموتِ”! ولكن عندما يستخدم الكتاب هذه الكلمة لما هو غير أزلي مثل الناس أو الأشياء الفانية، تعني (ما دام حيا أو موجودا). ونجد امثلة على هذا في ما يلي.
عقاب نار أبدية
– يهوذا ١: ٧ “كما أنَّ سدومَ وعَمورَةَ والمُدُنَ الّتي حَوْلهُما، إذ زَنَتْ علَى طَريقٍ مِثلِهِما، ومَضَتْ وراءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبرَةً، مُكابِدَةً عِقابَ نارٍ أبديَّةٍ“. هنا يصف يهوذا نار سدوم وعمورة بـ “نار أبدية”. ولكن هذه المدن لا تحترق اليوم! هل لاحظت هذا؟ النار الابدية التي احرقتهما لا تشتعل اليوم! ويقول بطرس في بطرس الثانية ٢: ٦ بأن النار قد حولتهم إلى رماد كدينونة هلاك لهم. “وإذ رَمَّدَ مَدينَتَيْ سدومَ وعَمورَةَ، حَكَمَ علَيهِما بالِانقِلابِ، واضِعًا عِبرَةً للعَتيدينَ أنْ يَفجُروا”. إذا النار “الأبدية” اشتعلت إلى أن أحرقت كل شيء ولم يبقى أي مادة للحرق. ولكن بعد زوال المادة هل نجد النار الابدية تحترق حيث كانت سدوم وعمورة؟ لا! انظر ما يقوله الرب أيضا في ارميا ١٧: ٢٧ “ولكن إنْ لَمْ تسمَعوا لي لتُقَدِّسوا يومَ السَّبتِ لكَيلا تحمِلوا حِملًا ولا تُدخِلوهُ في أبوابِ أورُشَليمَ يومَ السَّبتِ، فإنّي أُشعِلُ نارًا في أبوابِها فتأكُلُ قُصورَ أورُشَليمَ ولا تنطَفِئُ”. وفعلا تم خراب اورشليم واحترقت في سنة ٧٠ م. ولكن هل لازالت قصور اورشليم تحترق بنار لا يمكن إطفاءها؟ أم احترقت في الماضي بنار لم يمكن إطفاءها حينها حتى أتمت ما نطق به الرب؟
وهكذا عندما يعيّن المسيح الأشرار إلى “النار الأبدية” في متى ٢٥: ٤١ “اذهَبوا عَنّي يا مَلاعينُ إلَى النّارِ الأبديَّةِ المُعَدَّةِ لإبليسَ ومَلائكَتِهِ”. لن تُطفأ هذه النار في متى ٣: ١٢ “وأمّا التِّبنُ فيُحرِقُهُ بنارٍ لا تُطفأُ” إلى أن لا تبقي أي شيء من المواد التي ارسلها الرب لفناءها.
الفداء والدينونة الابدية
– عبرانيين ٩: ١٢ “وليس بدَمِ تُيوسٍ وعُجولٍ، بل بدَمِ نَفسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً واحِدَةً إلَى الأقداسِ، فوَجَدَ فِداءً أبديًّا.” عندما يتكلم الكتاب المقدس عن “فِداءً أبديًّ” وعن “الدَّينونَةَ الأبديَّةَ” في عبرانيين ٦: ٢ إنه يتحدث بالتأكيد عن النتائج الأبدية للفداء والدينونة وليس عن عملية فداء ودينونة بلا نهاية وازلية الديمومة. لأنه يقول بأنه يدخل بدمه للفداء الابدي “مرة”. وعن الدينونة نجد كل الآيات تشير إلى يوم الدينونة ولا تذكر بأن هذا اليوم لا نهاية له (يهوذا ١: ٦). فإن كنا نفهم بأن الفداء الابدي لا يعني عملية فداء غير منتهية إلى الازل وإنما نتائج فداء أزلية ترتبت على عملية فداء قام بها “مرة” واحدة. ونفهم بأن الدينونة الأبدية تشير إلى يوم غضب الرب أو يوم الدينونة العظيم ، كيف نفهم إذا بأن العذاب الابدي هو عملية ازلية لا نهاية لها؟
الابدية المحدودة بما هو فاني
– فليمون ١: ١٥-١٦ قَبِل فليمون أُنسيمس إلى الأبد، ولكنه واضح أنه مات في يوم ما ولم يعد يخدمه. “لأنَّهُ رُبَّما لأجلِ هذا افتَرَقَ عنكَ إلَى ساعَةٍ، لكَيْ يكونَ لكَ إلَى الأبدِ، لا كعَبدٍ في ما بَعدُ، بل أفضَلَ مِنْ عَبدٍ: أخًا مَحبوبًا…”
– تثنية ١٥: ١٧ يتحدث عن عبد يخدم سيّده إلى الأبد ولكن واضح أن هذا سينتهي عند موته. “فيكونَ لكَ عَبدًا مؤَبَّدًا”.
– اخبار الأيام الاولى ٢٨: ٤ يقول بأن داود سيكون ملكا إلى الأبد ولكنه حكم لأربعين سنة فقط. “وقَدِ اختارَني الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ مِنْ كُلِّ بَيتِ أبي لأكونَ مَلِكًا علَى إسرائيلَ إلَى الأبدِ”.
– يونان ٢: ٦ يقول بأنه كان في جوف الحوت إلى الأبد ولكن الرب يسوع يقول بأنه كان هناك ثلاث ايام وليال (متى ١٢: ٣٩-٤٠).
“فيَمضي هؤُلاءِ إلَى عَذابٍ أبديٍّ والأبرارُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ” متى ٢٥: ٤٦
في نفس المنظور من هذه الآيات العديدة التي تخبر بهلاك وفناء وابادة الأشرار وصيرانهم رمادا (ملاخي ٤: ٣) لا يمكن أن يناقض الرب يسوع نفسه في هذا الموضوع في متى ٢٥: ٤٦ “فيَمضي هؤُلاءِ إلَى عَذابٍ أبديٍّ والأبرارُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ”. الاختيار هو حياة أو موت (تكوين ٢: ١٧). وإن كانت الحياة أبدية فإن الموت أيضا أبدي. بمعنى آخر إما أن تحيا في ومع المسيح إلى الأبد ولا يكون سقوط من النعمة فيما بعد. وهذه الابدية ممكنة فقط لأنك تعيش مع الأزلي عديم الموت الذي يعطيك سلطانا أن تأكل من شجرة الحياة لتبقى على قيد الحياة “مَنْ يَغلِبُ فسأُعطيهِ أنْ يأكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الحياةِ الّتي في وسَطِ فِردَوْسِ اللهِ… مَنْ يَغلِبُ فلا يؤذيهِ الموتُ الثّاني” رؤيا ٢: ٧و١١. أم تفنى وتبيد إلى الأبد وتصير رمادا ولا يكون خلاص أو عودة من ذلك فيما بعد. النتائج هي أبدية للاختيارين. فإن كان الرب يسوع لا يُناقض نفسه فإن تعبير “عذاب أبدي” هو نتيجة أبدية ونهائية لعذاب الدينونة الذي سيتم مرة في يوم الدينونة. وفي سفر الرؤيا نجد بأن هذا العذاب هو الموت الثاني الذي لا قيامة منه وهو أبدي.